السبت، 14 يناير 2017

" من سُلَيمَان حتي مَرَوَانْ احتضار امبراطورية و نهاية زمان"








               
     



الجزء السادس

عُمَر بن عَبد العَزيز
كان في قلب الحكم الأموي 
من ايام ولاية الوليد بن عبد الملك،،

هو و الوليد نَسايب 
و اولاد عم مُقربين،،،
و نظرا لسابق تربيته فترة طويلة
في المدينة و هو طفل،

كان رأْي الوَليد
 ان يوليه المدينة،
فهو عالم بالناس فيها
يحبهم و يحبونه،
و يقدر يخلي الامور تمشي بالراحة،،

فاكرين عبد الله بن عُمر بن الخطاب
الصحابي و العالم الكبير،
مؤسس الاتجاه "الإرجائي "
في مواجهة
 مختلف الفتن و  الثورات و الحروب الي شافها،

بمعني انه مكنش
 بيكفر حد او ينصر حد،
و يسيب اللي يمسك الحكم يمسك،
و أمر المتصارعين علي الحكم جميعاً
 الي الله 
يحكم بينهم بعدين،،

ابنه سالم 
كان عالم كبير و شهير،
و يبقي ابن عم 
والدة عُمر بن عبد العزيز،

هي ابنة عاصم بن عُمر بن الخطاب،
و سالم ده 
يعتبر في مقام خال عُمر بن عبد العزيز،

و ساهم في تربيته الفكرية و الدينية،
مع شيوخ اخرين في المدينة،
منهم سعيد بن المسيب ،،
الي كنا حكينا عليه
 اما رمي بنته و 
لواحد متعرفوش و قاله دي مراتك!!
،،،

و تعلم برده
علي يد مشايخ آخرين كانوا في المدينة،،
و تشرب و هو صغير بمفاهيمهم،
من توقير بيت الطالبيين ل قرابتهم للنبي،
و معرفة ان الدنيا زائلة و زائفة،
و ان اي مال أو مَتاع
 إن هو إلا عارِية مستردة،

و تفقه بفقه
 المُحافظين التقليديين
 من أهل المدينة،
فكان يكره الجديد و الغريب
و يحب البسيط و القديم،،

و كان متواضعاً بسيطاً،
يكره الطغيان و الجبروت،،
و يري الرقة و الليونة اقرب لحكم القلوب،،

بس برده
ك أمير كبير ذو مال عظيم،
كان له بيوت و ثروة و قصور
و جواري و خدم و حشم،،

فكان عايش حياة 
متناقضة مع معتقداته،،
في أغلب حياته تقريباً،،

و كان فيه بعض رجال  البلاط الأموي
-يَزيد ابن المُهلب أولهم-
يقولوا عليه منافق و دجال،،
لانه بيدعي الفقه و الورع،،
و بيقعد يتكلم كلام كبير و وعظ قدام 
الخليفة الوليد و اخوه سليمان،،

بينما هو عايش في 
عز و بحبوحة و خير الدولة الأموية
الي تحقق بالقوة و السيف و الإرهاب !!
،،،
،،،

فلاش باك سريع ،،

وقت ولايته الإمارة في المدينة
ايام خلافة الوليد ابن عمه،،
 كان حَبوب و متسامح
و كان مجامل الناس كلها،،

و طبعاً كان
بيحاول يمحي أي ذكري سيئة
عن الامويين و حكمهم،
من أيام موقعة الحَرَة
و استباحة المدينة،
و ضرب الكعبة و حصار مكة!!

و يمكن احساس دفين بالذنب
كان بيقود تصرفاته دايماً،،

بس أهم حاجة انه
خللَي الفقهاء و المشايخ هم
أهل المشورة و الرأي و الحكم!!!!

مفيش حاجة تتعمل
 الا بموافقتهم و رضاهم!!
،
و ده طبعاً عكس خالص
 الحجاج بن يوسف،
اللي جَرد المشايخ 
من أي سلطة معنوية،،
ان لم يكن بهدلهم و مرمَطْهم
 لما ظَهر  من اي منهم المعارضة او حاجة!!!
،،

و زي ما كان
 اضطهاد الحجاج للفقهاء
من اهم أسباب كراهيتهم له 
و تحقيرهم لِ سيرته،،

ف العكس بقي،
كان  من أهم أسباب
 رضا الفقهاء و المشايخ
في التاريخ المكتوب عن عُمر بن عبد العزيز،،

لانه خلاهم هما
 أصحاب الدولة و الحكم،
و ده هو الغاية العظمي عندهم 
و المثال الأحق بالاتباع!!

دولة ولاية الفقهاء!!
،،،

كانت فترة ولايته  علي المدينة 
ظريفة للجميع،،
الوليد مبسوط 
عُمر مبسوط 
اهل المدينة مبسوطين،،،
،

بس الحكم و الملك
 مش حاجة لطيفة ولا تبسط اطلاقاً ،،
و المصايب هَـ تيجي هـَ تيجي،،

واحد من أولاد 
الخليفة المَصلوب  علي باب الحرم
عبد الله بن الزبير ابن العوام
الملك و الخليفة المقتول و المنتهك،،
كان اسمه خُبَيب بن عبد الله بن الزبير،،

كان لسه شايل ثأر 
و حقد ضد الامويين
لما فعلوه في حق أبيه،
و لكونهم هدموا بنيان دولته،،

و يقعد يِلَبش في الكلام و يقول 
دول ناس ظَلمة
 و مُفتريين و مَيعرفوش ربنا،،

و الخليفة الوليد ساكت عما يسمع عنه،
الراجل من بيت نبيل 
و عالم بالفقه و الروايات النبوية،،
مينفعش نمسك له علي الواحدة يعني،،
 
بس  في يوم 
زودها الاستاذ خُبيب الزُبيري 
و قام ضارِب رواية حديث عن النبي:
 (اذا بلغ بنوا ابي العاص ثلاثين رجلاً،
 اتخذوا عباد الله خَوَلا، 
ومال الله دَوَلا، 
وكتاب الله دَغَلاً)!!!!

و ده حديث فيه طعن علي الامويين
الي هما بنو ابي العاص،
بأنهم نصابين و ظلمة
و مستعبدين الناس
" الناس خَوَلا"
واكلين مال النبي!!
و سارقين حق ربنا!!
" المال دَولا"
 و لا يحكمون بالقرآن !!!
و إنما بالتدليس و الغش!!!
" كتاب الله دَغَلا"

و هو حديث رواه 
الامام احمد بن حنبل في ُمسنده!!
يعني سلسلة محكمة و متينة!!

و ممكن نضيفه 
ل جُملة الأحاديث التنبؤية السياسية
الي منتشرة جداً في كتب الصِحاح

و اللي ليها دوافع شخصية
 و تشويه او تعظيم ناس بواسطة الدين،،
و كنا اتكلمنا 
في القواعد العقلية و الشرعية
الي ترفض مثل هذه الروايات من أساسه،،

المهم،
الكلام وصل للخليفة الوليد!
الي طبعاً اتنرفز و اتكهرب،
دَوَلا و خَولا و دَغَلا ،
كلام جامد بالذات خَوَلا دي،،

و بعت للوالي عُمر بن عبد العزيز،
و قاله  تضرب ابن ال،،،
ده ميت جَلدة و تهزقه و تديني تمام،،

عُمر اتفزع 
و بعت للفقهاء شركاؤه،
نعمل ايه يا جماعة الخير؟؟
قام المجلس الفقهي
 وافق علي قرار الوليد
بعد ما عُمر عرضه عليهم،
و قالوله ولي الامر و حقه يعمل كده!!!!
عُمر استسلم و قالهم 
خلاص مدام انتم شايفين كده!!

بعت جاب الراجل  خُبَيب ،
و  ضربه ميت جلدة تمام،
واضح انه كان راجل عجوز
 أو صحته ضعيفة،،

خُبَيب  دخل في غيبوبة 
و حُمي و مات و فِطس !!!

و عُمر أما عرف كده
جاله ذعر
 و هلع و حُمي
 بس مافطسش،،

 ساب المدينة و الولاية كلها،
و طلع يجري في الصحراء!!
لانه لقي نفسه
 بيعمل زي الحجاج بالظبط!!!
و بيقتل الناس و يسفك الدماء
في سبيل العرش!!!

و سابت الحكاية دي 
اثر نفسي كبير فيه
و ضاعفت إحساسه بالذنب 
تجاه اهل المدينة  و مكة و آل الزُبير ،،

،،،،
،،،،

نرجع تاني لحكايتنا،،

بعد ظروف توليه الحكم 
المليئة بالغموض 
و الأحداث المريبة الي شفتوها،
 و كانت  بالأساس - في رأيي- 
نتيجة غياب ولي عهد قوي من ابناء سليمان،،

و رأيي انه سليمان شاف
حلاً لصراع السلطة  
بين مختلف الامراء،
انه أحسن يجيب
أمير   من البيت المالك،
بس طموحه قليل و بسيط
 و  مضمون انه 
مش هيورث ابنه بعده!!!
زي ما كل الخلفاء و الامراء بيعملوا و يحاولوا،،

،،،،
،،،،
نكمل بعد ما تولي الخلافة،

زي ما انتوا عارفين
ان عُمر الثاني،
عُمر بن عبد العزيز AKA
و هـَنسميه كده في أغلب الكتاب ،،
- عُمر الاول
هو جده  لأمه 
عُمر ابن الخطاب-

بعد ما تولي عُمر الثاني 
الخلافة و المُلك،
طلَّق الدنيا طلاقاً لا مثيل له
بين كافة الخلفاء،،
و يمكن حتي بين الأنبياء ! 

و قدر يحصُل  أخيرا علي 
التوازن نفسي بين ما كان يعتقده
من عدمية الدنيا و زيفها و خداعها!!
و بين واقع حياته المرفهة الملكية المترفة!!!
فكان ما تسمعونه من سيرته النادرة،،

،،،
استغني عن كل أمواله و ممتلكاته
و حَطَها في بيت المال!! 
و سرح كل عبيده و أعتقهم!!
و قال للجواري أنتن أحرار
و مش هقدر "أقعد معاكن " 
- مفهومة طبعا-
زي زمان!!

و قال لمراته
كل الذهب و "الصِيغة " الي عندك 
تسيبيها و هَـ تدخل بيت المال!!
و لم يعاشرها معاشرة الأزواج
اطلاقاً طول فترة خلافته!!!

و كان بياكل زيت و ملح و عيش،،
و اما حد يعزمه 
عزومة كبيرة فيها لحمة و هُبَر،،
يادوب يدوق الأكل و يقوم،،

و كانت هدومه قديمة
 و مبيغيرهاش و مبيغسلهاش
حتي انه لما مرض المرض الأخير ،

ابن عمه مَسلَمة القائد الكبير
صِعِب عليه شكله و ريحة هدومه،
و أجبر الخدم انهم يغيروا الهدوم
و يجيبوا حاجة نضيفه شوية!!
،،

كان لا ينام الا قليلاً
و يقعد سهران الليل 
علي كتب و دفاتر
و قضايا و نزاعات ،،
يحاول يحلها و يحكم فيها،،

و ده علي ضؤ شمعة خافتة،
لانه فقير مُعدم !!
 لا يحتكم يجيب مصابيح كبيرة!!
و ينور بيته بيها كويس،،

و في نفس الوقت 
مش عايز يكلف بيت المال 
فلوس اكتر من ثمن الشمعة دي
لمتابعة القضايا دي!!!

يعني من الآخر
اعتزل كل مباهج الدنيا،
بما يماثل زُهد النُساك و البَراهمة،،

و الزم نفسه بما يفوق طاقة البشر
من حمل عصبي و نفسي و مادي،،
حساب عسير جداً للنفس
حتي علي ابسط ما تشتهيه!!!
،،،

في مرة ريقه جري علي طعم
برتقالة او حاجة حلوة،، 
برتقاناية واحدة!!

قام لم فلوسها!!
 و قال لواحد يجيبهاله،
و لما جت و جه يأكلها،

تقريبا ملقاش الراجل الي 
بعته يشتريها!!
قام شك في الامر
 و سأل  البرتقانة دي 
جت ازاي البيت هنا؟

قالوله جت
 مع عربيات النقل
 بتاعة بيت المال،
قام رفض يأكلها ،
و باعها و طلع الفلوس ل بيت المال!!!

،،،،
حساب عسير للنفس،
نادر في التاريخ كله الحقيقة،،
،،،

و كمان ألزم أهله مثل ذلك،
واحد من ولاده
-و كانوا فقراء طبعا-
كان شاب  و صحته حلوة و فايرة
و عايز يتجوز  تاني زي شباب جيله،،
و معندوش فلوس يشتري جارية يتسلي بيها،،

فطلب من أبوه عُمر الثاني
إعانة من بيت المال ،
و كانوا بِ يِدوا إعانات للفقرا عشان يتجوزوا،،

قام أبوه عُمر الثاني
 كان هيضربه بالجزمة،
عشان عايز يتشهَيص و يتجوز تاني 
من بيت المال و  فيه
ناس مش لاقية لا تأكل و لا تتجوز!!
،،،

واحدة من بناته
 مكنتش بتعرف تزوره
لانها معندهاش هدوم تخرج بيها أصلاً!!
قام بعت لها خَلَقات من هدوم الصدقة!!

كان عنده في البيت
بناته الصغيرات، 
مرة جه بالليل
 يشوفهم و يقعد معاهم،،
قاموا طلعوا يجروا منه
 و مش عايزين يبوسوه!!!
مكسوفين  منه عشان 
جاعوا و ملقوش حاجة يتعشوا بيها،
غير البَصل و العيش
و ريحة بُقُهم  بقت وحشة!!!

،،،،

كما الزم بذلك الولاة،،
فلم يكن هناك والٍ 
يشتهر عنه الرَحرَحة في العيش
الا قعد في بيته و لبس الجلابية،،

و حاول مع الامراء و الاميرات
من بني أمية انهم
 يِرَجعوا الفلوس و القصور!!
اللي أخدوها هدايا و هِبات 
في عهود الخلفاء السابقين،،

لكن طبعاً 
ده كان هيعمل أزمة كبيرة جداً
و معرفش يجبرهم علي كده،،

إنما الي عمله فعلاً 
انه قطع عنهم المخصصات المالية
و الهدايا و الهبات و الامتيازات 
الي كانوا يتمتعوا بيها من زمان،،
،،،،

في مسألة الفلوس و الزُهد دي
تقريباً عُمر من المتفوقين فيها
علي كل الملوك في التاريخ،،

و هي طبعا
 أهم نقاط تفوقه و تميزه،،

و أغلب سيرته
 الي يتحاكي بيها الناس 
هي عن المسألة دي 
و ازاي انه قدوة للأجيال !!!

وِ العياط و التأنيب
 و الغمز و اللمز
في الأغنياء و الملوك و القادة،
علي مر الزمان،،
ب ييجي دايماً 
من المشايخ الي بيتذاكروا 
و يقارنوا و يتحسروا 
علي الفرق بين الأحوال في عصرهم
و بين سيرة الزاهد الأكبر عُمر الثاني،،
،،،

طيب،
يعني الصحابة الكبار 
الي ماتوا مليونيرات
و بيوتهم مليانة خدم و عبيد
و متجوزين بدل الواحدة خمسة و عشرة،،
دول مش قدوة يعني و لا ايه بالظبط!!؟؟؟

بيه محدش بِ يذكرهم 
و يجيب سيرتهم و تمتعهم بِ الطيبات
و الملذات و الزوجات و الوصيفات،،
و الأملاك و الفدادين و الحدائق الغناء،،،

محدش بيقارن بينهم و بين
الاغنياء و الملوك ليه،
ليه كل الوقت 
عُمر بن عبد العزيز عمل و سَوي،
 و مفيش سيرة اي صحابي كبير 
تاني من اللي تُركوا ذهباً يقطع بالفؤوس
من كثرته و ضخامته!!!

،،،
ناس غريبة جدا و الله،

تابعونا،،،
،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق