الجزء السادس
عُمَر بن عَبد العَزيز
كان في قلب الحكم الأموي
من ايام ولاية الوليد بن عبد الملك،،
هو و الوليد نَسايب
و اولاد عم مُقربين،،،
و نظرا لسابق تربيته فترة طويلة
في المدينة و هو طفل،
كان رأْي الوَليد
ان يوليه المدينة،
فهو عالم بالناس فيها
يحبهم و يحبونه،
و يقدر يخلي الامور تمشي بالراحة،،
فاكرين عبد الله بن عُمر بن الخطاب
الصحابي و العالم الكبير،
مؤسس الاتجاه "الإرجائي "
في مواجهة
مختلف الفتن و الثورات و الحروب الي شافها،
بمعني انه مكنش
بيكفر حد او ينصر حد،
و يسيب اللي يمسك الحكم يمسك،
و أمر المتصارعين علي الحكم جميعاً
الي الله
يحكم بينهم بعدين،،
ابنه سالم
كان عالم كبير و شهير،
و يبقي ابن عم
والدة عُمر بن عبد العزيز،
هي ابنة عاصم بن عُمر بن الخطاب،
و سالم ده
يعتبر في مقام خال عُمر بن عبد العزيز،
و ساهم في تربيته الفكرية و الدينية،
مع شيوخ اخرين في المدينة،
منهم سعيد بن المسيب ،،
الي كنا حكينا عليه
اما رمي بنته و
لواحد متعرفوش و قاله دي مراتك!!
،،،
و تعلم برده
علي يد مشايخ آخرين كانوا في المدينة،،
و تشرب و هو صغير بمفاهيمهم،
من توقير بيت الطالبيين ل قرابتهم للنبي،
و معرفة ان الدنيا زائلة و زائفة،
و ان اي مال أو مَتاع
إن هو إلا عارِية مستردة،
و تفقه بفقه
المُحافظين التقليديين
من أهل المدينة،
فكان يكره الجديد و الغريب
و يحب البسيط و القديم،،
و كان متواضعاً بسيطاً،
يكره الطغيان و الجبروت،،
و يري الرقة و الليونة اقرب لحكم القلوب،،
بس برده
ك أمير كبير ذو مال عظيم،
كان له بيوت و ثروة و قصور
و جواري و خدم و حشم،،
فكان عايش حياة
متناقضة مع معتقداته،،
في أغلب حياته تقريباً،،
و كان فيه بعض رجال البلاط الأموي
-يَزيد ابن المُهلب أولهم-
يقولوا عليه منافق و دجال،،
لانه بيدعي الفقه و الورع،،
و بيقعد يتكلم كلام كبير و وعظ قدام
الخليفة الوليد و اخوه سليمان،،
بينما هو عايش في
عز و بحبوحة و خير الدولة الأموية
الي تحقق بالقوة و السيف و الإرهاب !!
،،،
،،،
فلاش باك سريع ،،
وقت ولايته الإمارة في المدينة
ايام خلافة الوليد ابن عمه،،
كان حَبوب و متسامح
و كان مجامل الناس كلها،،
و طبعاً كان
بيحاول يمحي أي ذكري سيئة
عن الامويين و حكمهم،
من أيام موقعة الحَرَة
و استباحة المدينة،
و ضرب الكعبة و حصار مكة!!
و يمكن احساس دفين بالذنب
كان بيقود تصرفاته دايماً،،
بس أهم حاجة انه
خللَي الفقهاء و المشايخ هم
أهل المشورة و الرأي و الحكم!!!!
مفيش حاجة تتعمل
الا بموافقتهم و رضاهم!!
،
و ده طبعاً عكس خالص
الحجاج بن يوسف،
اللي جَرد المشايخ
من أي سلطة معنوية،،
ان لم يكن بهدلهم و مرمَطْهم
لما ظَهر من اي منهم المعارضة او حاجة!!!
،،
و زي ما كان
اضطهاد الحجاج للفقهاء
من اهم أسباب كراهيتهم له
و تحقيرهم لِ سيرته،،
ف العكس بقي،
كان من أهم أسباب
رضا الفقهاء و المشايخ
في التاريخ المكتوب عن عُمر بن عبد العزيز،،
لانه خلاهم هما
أصحاب الدولة و الحكم،
و ده هو الغاية العظمي عندهم
و المثال الأحق بالاتباع!!
دولة ولاية الفقهاء!!
،،،
كانت فترة ولايته علي المدينة
ظريفة للجميع،،
الوليد مبسوط
عُمر مبسوط
اهل المدينة مبسوطين،،،
،
بس الحكم و الملك
مش حاجة لطيفة ولا تبسط اطلاقاً ،،
و المصايب هَـ تيجي هـَ تيجي،،
واحد من أولاد
الخليفة المَصلوب علي باب الحرم
عبد الله بن الزبير ابن العوام
الملك و الخليفة المقتول و المنتهك،،
كان اسمه خُبَيب بن عبد الله بن الزبير،،
كان لسه شايل ثأر
و حقد ضد الامويين
لما فعلوه في حق أبيه،
و لكونهم هدموا بنيان دولته،،
و يقعد يِلَبش في الكلام و يقول
دول ناس ظَلمة
و مُفتريين و مَيعرفوش ربنا،،
و الخليفة الوليد ساكت عما يسمع عنه،
الراجل من بيت نبيل
و عالم بالفقه و الروايات النبوية،،
مينفعش نمسك له علي الواحدة يعني،،
بس في يوم
زودها الاستاذ خُبيب الزُبيري
و قام ضارِب رواية حديث عن النبي:
(اذا بلغ بنوا ابي العاص ثلاثين رجلاً،
اتخذوا عباد الله خَوَلا،
ومال الله دَوَلا،
وكتاب الله دَغَلاً)!!!!
و ده حديث فيه طعن علي الامويين
الي هما بنو ابي العاص،
بأنهم نصابين و ظلمة
و مستعبدين الناس
" الناس خَوَلا"
واكلين مال النبي!!
و سارقين حق ربنا!!
" المال دَولا"
و لا يحكمون بالقرآن !!!
و إنما بالتدليس و الغش!!!
" كتاب الله دَغَلا"
و هو حديث رواه
الامام احمد بن حنبل في ُمسنده!!
يعني سلسلة محكمة و متينة!!
و ممكن نضيفه
ل جُملة الأحاديث التنبؤية السياسية
الي منتشرة جداً في كتب الصِحاح
و اللي ليها دوافع شخصية
و تشويه او تعظيم ناس بواسطة الدين،،
و كنا اتكلمنا
في القواعد العقلية و الشرعية
الي ترفض مثل هذه الروايات من أساسه،،
المهم،
الكلام وصل للخليفة الوليد!
الي طبعاً اتنرفز و اتكهرب،
دَوَلا و خَولا و دَغَلا ،
كلام جامد بالذات خَوَلا دي،،
و بعت للوالي عُمر بن عبد العزيز،
و قاله تضرب ابن ال،،،
ده ميت جَلدة و تهزقه و تديني تمام،،
عُمر اتفزع
و بعت للفقهاء شركاؤه،
نعمل ايه يا جماعة الخير؟؟
قام المجلس الفقهي
وافق علي قرار الوليد
بعد ما عُمر عرضه عليهم،
و قالوله ولي الامر و حقه يعمل كده!!!!
عُمر استسلم و قالهم
خلاص مدام انتم شايفين كده!!
بعت جاب الراجل خُبَيب ،
و ضربه ميت جلدة تمام،
واضح انه كان راجل عجوز
أو صحته ضعيفة،،
خُبَيب دخل في غيبوبة
و حُمي و مات و فِطس !!!
و عُمر أما عرف كده
جاله ذعر
و هلع و حُمي
بس مافطسش،،
ساب المدينة و الولاية كلها،
و طلع يجري في الصحراء!!
لانه لقي نفسه
بيعمل زي الحجاج بالظبط!!!
و بيقتل الناس و يسفك الدماء
في سبيل العرش!!!
و سابت الحكاية دي
اثر نفسي كبير فيه
و ضاعفت إحساسه بالذنب
تجاه اهل المدينة و مكة و آل الزُبير ،،
،،،،
،،،،
نرجع تاني لحكايتنا،،
بعد ظروف توليه الحكم
المليئة بالغموض
و الأحداث المريبة الي شفتوها،
و كانت بالأساس - في رأيي-
نتيجة غياب ولي عهد قوي من ابناء سليمان،،
و رأيي انه سليمان شاف
حلاً لصراع السلطة
بين مختلف الامراء،
انه أحسن يجيب
أمير من البيت المالك،
بس طموحه قليل و بسيط
و مضمون انه
مش هيورث ابنه بعده!!!
زي ما كل الخلفاء و الامراء بيعملوا و يحاولوا،،
،،،،
،،،،
نكمل بعد ما تولي الخلافة،
زي ما انتوا عارفين
ان عُمر الثاني،
عُمر بن عبد العزيز AKA
و هـَنسميه كده في أغلب الكتاب ،،
- عُمر الاول
هو جده لأمه
عُمر ابن الخطاب-
بعد ما تولي عُمر الثاني
الخلافة و المُلك،
طلَّق الدنيا طلاقاً لا مثيل له
بين كافة الخلفاء،،
و يمكن حتي بين الأنبياء !
و قدر يحصُل أخيرا علي
التوازن نفسي بين ما كان يعتقده
من عدمية الدنيا و زيفها و خداعها!!
و بين واقع حياته المرفهة الملكية المترفة!!!
فكان ما تسمعونه من سيرته النادرة،،
،،،
استغني عن كل أمواله و ممتلكاته
و حَطَها في بيت المال!!
و سرح كل عبيده و أعتقهم!!
و قال للجواري أنتن أحرار
و مش هقدر "أقعد معاكن "
- مفهومة طبعا-
زي زمان!!
و قال لمراته
كل الذهب و "الصِيغة " الي عندك
تسيبيها و هَـ تدخل بيت المال!!
و لم يعاشرها معاشرة الأزواج
اطلاقاً طول فترة خلافته!!!
و كان بياكل زيت و ملح و عيش،،
و اما حد يعزمه
عزومة كبيرة فيها لحمة و هُبَر،،
يادوب يدوق الأكل و يقوم،،
و كانت هدومه قديمة
و مبيغيرهاش و مبيغسلهاش
حتي انه لما مرض المرض الأخير ،
ابن عمه مَسلَمة القائد الكبير
صِعِب عليه شكله و ريحة هدومه،
و أجبر الخدم انهم يغيروا الهدوم
و يجيبوا حاجة نضيفه شوية!!
،،
كان لا ينام الا قليلاً
و يقعد سهران الليل
علي كتب و دفاتر
و قضايا و نزاعات ،،
يحاول يحلها و يحكم فيها،،
و ده علي ضؤ شمعة خافتة،
لانه فقير مُعدم !!
لا يحتكم يجيب مصابيح كبيرة!!
و ينور بيته بيها كويس،،
و في نفس الوقت
مش عايز يكلف بيت المال
فلوس اكتر من ثمن الشمعة دي
لمتابعة القضايا دي!!!
يعني من الآخر
اعتزل كل مباهج الدنيا،
بما يماثل زُهد النُساك و البَراهمة،،
و الزم نفسه بما يفوق طاقة البشر
من حمل عصبي و نفسي و مادي،،
حساب عسير جداً للنفس
حتي علي ابسط ما تشتهيه!!!
،،،
في مرة ريقه جري علي طعم
برتقالة او حاجة حلوة،،
برتقاناية واحدة!!
قام لم فلوسها!!
و قال لواحد يجيبهاله،
و لما جت و جه يأكلها،
تقريبا ملقاش الراجل الي
بعته يشتريها!!
قام شك في الامر
و سأل البرتقانة دي
جت ازاي البيت هنا؟
قالوله جت
مع عربيات النقل
بتاعة بيت المال،
قام رفض يأكلها ،
و باعها و طلع الفلوس ل بيت المال!!!
،،،،
حساب عسير للنفس،
نادر في التاريخ كله الحقيقة،،
،،،
و كمان ألزم أهله مثل ذلك،
واحد من ولاده
-و كانوا فقراء طبعا-
كان شاب و صحته حلوة و فايرة
و عايز يتجوز تاني زي شباب جيله،،
و معندوش فلوس يشتري جارية يتسلي بيها،،
فطلب من أبوه عُمر الثاني
إعانة من بيت المال ،
و كانوا بِ يِدوا إعانات للفقرا عشان يتجوزوا،،
قام أبوه عُمر الثاني
كان هيضربه بالجزمة،
عشان عايز يتشهَيص و يتجوز تاني
من بيت المال و فيه
ناس مش لاقية لا تأكل و لا تتجوز!!
،،،
واحدة من بناته
مكنتش بتعرف تزوره
لانها معندهاش هدوم تخرج بيها أصلاً!!
قام بعت لها خَلَقات من هدوم الصدقة!!
كان عنده في البيت
بناته الصغيرات،
مرة جه بالليل
يشوفهم و يقعد معاهم،،
قاموا طلعوا يجروا منه
و مش عايزين يبوسوه!!!
مكسوفين منه عشان
جاعوا و ملقوش حاجة يتعشوا بيها،
غير البَصل و العيش
و ريحة بُقُهم بقت وحشة!!!
،،،،
كما الزم بذلك الولاة،،
فلم يكن هناك والٍ
يشتهر عنه الرَحرَحة في العيش
الا قعد في بيته و لبس الجلابية،،
و حاول مع الامراء و الاميرات
من بني أمية انهم
يِرَجعوا الفلوس و القصور!!
اللي أخدوها هدايا و هِبات
في عهود الخلفاء السابقين،،
لكن طبعاً
ده كان هيعمل أزمة كبيرة جداً
و معرفش يجبرهم علي كده،،
إنما الي عمله فعلاً
انه قطع عنهم المخصصات المالية
و الهدايا و الهبات و الامتيازات
الي كانوا يتمتعوا بيها من زمان،،
،،،،
في مسألة الفلوس و الزُهد دي
تقريباً عُمر من المتفوقين فيها
علي كل الملوك في التاريخ،،
و هي طبعا
أهم نقاط تفوقه و تميزه،،
و أغلب سيرته
الي يتحاكي بيها الناس
هي عن المسألة دي
و ازاي انه قدوة للأجيال !!!
وِ العياط و التأنيب
و الغمز و اللمز
في الأغنياء و الملوك و القادة،
علي مر الزمان،،
ب ييجي دايماً
من المشايخ الي بيتذاكروا
و يقارنوا و يتحسروا
علي الفرق بين الأحوال في عصرهم
و بين سيرة الزاهد الأكبر عُمر الثاني،،
،،،
طيب،
يعني الصحابة الكبار
الي ماتوا مليونيرات
و بيوتهم مليانة خدم و عبيد
و متجوزين بدل الواحدة خمسة و عشرة،،
دول مش قدوة يعني و لا ايه بالظبط!!؟؟؟
بيه محدش بِ يذكرهم
و يجيب سيرتهم و تمتعهم بِ الطيبات
و الملذات و الزوجات و الوصيفات،،
و الأملاك و الفدادين و الحدائق الغناء،،،
محدش بيقارن بينهم و بين
الاغنياء و الملوك ليه،
ليه كل الوقت
عُمر بن عبد العزيز عمل و سَوي،
و مفيش سيرة اي صحابي كبير
تاني من اللي تُركوا ذهباً يقطع بالفؤوس
من كثرته و ضخامته!!!
،،،
ناس غريبة جدا و الله،
تابعونا،،،
،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق